فى ذكراك ياأبى لم أعد أحسب الأيام ولا السنين...أحسك كأنك كنت معى بالأمس فى خيالى وعقلى وقلبى دائما معى
لم تكن فقط أبى...بل كنت أخى وصديقى وحبيبى وكل شئ فى حياتى...كنت فتاتك المدللة...كنت تنادينى هدهد لم تنادينى باسمى وأحببت ذلك الهدهد من أجلك...
منذ صغرى وأنا لصيقة بك فى البيت ، فى المكتبة ، حتى فى مشاويرك...كنت تمسك بيدى وتدعنى أجلس معك حتى مع أصدقائك الرجال...حتى عندما سافرنا بلدنا وهناك الرجال يجلسون سويا والنساء فى غرفة أخرى...أتتذكر ذلك اليوم حتى اصطحبتنى لصديق لك وقريبنا فى ذات الوقت وأخذتنى الى ديوانكم هنا نهرنى ذلك الرجل ان اذهبى الى النساء...كنت أحسك أحيانا تعاملنى كأننى رجل...ومنذ صغرى لاحظت كيف يحبك الناس سواء فتيات أو شباب وكيف يأتون لك فى المكتبة ليحكوا لك عن مشاكلهم وغرامياتهم وتعلمت منك حينها ياأبى كيف أصغى للناس بقلبى قبل أذنى
حتى كلب الجيران ياأبى كان يحبك...أتتذكر حين أصبت فى قدمك...وبدون أن تحس رافقك الكلب من المكتبة للبيت...والتفت لتقفل باب الشقة ووجدت الكلب وراءك فاضطررت بقدمك المصابة أن ترجع معه لكى لايقلق أصحابه
تعلمت منك الكثير ياأبى...تعلمت كيف تستقبل الطلبة النازحين والمرضى وتساعدهم وكنت تقول لأمى رحمها الله أوصيك خيرا بالطلبة كونى لهم أما ولنكن لهم أهل...كنت توفر لهم المأوى والعيادة...حتى الكتاب الصغار كنت تساعدهم فى نشر كتبهم ياأبى كنت وستظل عظيما دائما...
وكانت المكتبة كأنها جامعة دول مصغرة كان هناك العرب سواء سوريين أو عراقيين أو سودانيين حتى الأجانب..رأيت هناك الفيتورى وأدباء سودانين منذ صغرى والسر أحمد قدور...وحتى الممثل المصرى أسامة عباس كانوا زبائنك وكنت تجلسنى معك وسطهم وأسمع محاوراتكم...
وتعلمت منك أن يسع قلبى البشر لا فرق بين أعجمى أو عربى
ولم تكن علاقتكم بهم فقط كزبون كنت تعزمهم فى البيت كانت فلسفتك أن العشرة ليست فقط صداقة بل عيش وملح أيضا...
أتتذكر ذلك اليوم ياأبى كنت فى المكتبة معك وكان هناك زبون أمريكى ذهبت لتبحث له عن كتاب...وحين عدت وجدته يتحدث معى قائلاyou are beautifful وجدتك ياأبى تبتسم وتلتفت راجعا لم أدرى وقتها هل خجلت أم غرت على صغيرتك ام ماذا؟!!!
وفى يوم رجعت من العمل...وكنت أرقد فى سريرى وجئت ورقدت بجانبى كان وجهك لا يفسر سألتك حينها ماذا بك ياأبى وأخبرتنى عن مشكلة فجلست وقلت لك انك مخطأ كان المفروض كذا وكذا حينها تظاهرت بالنوم ولمحت دمعة تترقرق من عينيك هل هانت عليك نفسك ياأبى أم ماذا؟!!!!
وفى يوم....
جئت المنزل وفتحت الباب ووجدتك تضحك عابسا وأنت تقول زميلك جاء وسأل منك...هل الأب يغير على ابنته وهل تجتمع الغيرة والفخر معا ؟!!!! ربما
أتتذكر ياأبى كنت فى الصف الخامس ابتدائى حين أرسل لى قريب رسالة اعجاب وحب وانه يريدنى...أتتذكر ياأبى قرأت لك الخطاب حرفيا وكنت تضحك وتمازحنى ارجعلى لهذه الجملة ماذا يقصد بذلك وكنت أخجل ياأبى ولكنى يوما لم أخفى عنك شيئا كنت فخورة بثقتك وحبك....
كنت ياأبى تفضلنى وحين أطلب أن أذهب لمكان لم تكن تعترضنى أو تسأل تلك الأسئلة متى ستحضرين أو خذى معك أى شخص رغم انك كنت عكس ذلك مع اخوتى...
وكنت أحكى لك دائما مغامراتى ونوادرى وكنت تقول لى أنت مجنونة ولكنك لم تنصحنى أن أتغير...بل كنت تنصحنى أن لاأنكسر ولاأذل لأى شخص ما...ولاأسمح لشخص أن يلوى ذراعى أو يستفزنى أو يتحدانى...قلت لى كونى قوية فى الحق والخير ولاتهابى الا رب العالمين...
أتتذكر ياأبى تلك القصة لقد ضحكت عليها كثيرا كنت مسافرة وعند الرجوع اتفقت مع سائق الباص أن يوصلنى لمنزلى وحين وصلنا رفض...ف توسلت اليه ان معى شنط كثيرة ولايوجد معى نقود لأتوصل بها(علما بأنه كان معى نقود) فقط أردته أن يعتذر ولكنه بدلا من ذلك رفع صوته قائلا هذا ليس شأنى اتصرفى...وانت تعرف جنونى ياأبى اذا تحدانى واستفزنى شخص...عندها ألقيت شنطى فى الأرض وسألت عن شرطة المرور وذهبت وكان عندهم اجتماع وحكيت لهم القصة ف ضحكوا وأخبرونى أن أنادى السائق فأخبرتهم أنه لن يستمع لى فأرسلوا معى شرطى لأحضاره وحضر وتأسف وقالوا لى اذهبى معه ليعطيكى النقود ورفضت فأرسلوا معى الشرطى وأخذ منه النقود وعندما رحل الشرطى لم يترك لى سب وشتيمة وضحكت ومضيت لحالى
وعندما حكيت لك ياأبى قلت لى انت مجنونة وأحيانا أوفر لكن لاتتنازلى أبدا عن حقك لأحد ثم ضحكنا معا....
وذلك اليوم... أتتذكر ياابى فى عيد ما قلت لى ان أذهب للمكتبة ولكننى وعدت صديقاتى ان نتفسح معا لكنك اصررت وذهبت للمكتبة وأنا ذهبت لصديقاتى وعدت وانت تحمل فرع شجرة ضربتنى به...ثلاثة أيام العيد لم تستسلم أنت ولم أغير رأيى أنا فقد عودتنى على ذلك ياأبى لاتنسى ذلك...واخذت العلقة3 ايام العيد وعدنا كان شيئا لم يكن
أتتذكر ياأبى تلك الصور التى اخذتها فى المدرسة وذهبت بها للتحميض وعند الاستلام أعطانى الرجل العامل الصور ناقصة وبدون نيجاتيف....فقلت له أريد النيجاتيف وباقى الصور...فرد قائلا لاتوجد اللى تقدرى تعمليه اعمليه...ومرة أخرى جن جنونى وأخبرت عسكرى شرطة أعرفه فذهب معى بالزى الرسمى ووجد صاحب الاستوديو ووعده أنه سيجد النيجاتيف غدا وذهبت فى الغد واستلمتها....وعرفت لاحقا أن صاحب الاستوديو طرد العامل...أنا كل مايهمنى أن لاانكسر أو يهضم حقى بما اننى انثى أو امراءة ضعيفة....لو تعاملوا معى بأدب وسياسة حتى لو كذبوا لما اضطريت لتلك التصرفات وردود الأفعال..
كل رجل أعرفه ياأبى أبحث فى عينيه عن عينيك
أبحث فى ابتسامته عن ضحكتك
ابحث فى عقله عن تفكيرك وآرائك
ابحث فى عينيه نظرتك المحبة
ابحث فى معاملته عن ثقتك بى
ابحث فى كلامه عن صوتك ونبرتك حين تتحدث معى
حين لاأفهم شئ أقول اين انت ياأبى لتشرح لى ماخفى عنى
حين أرى نظرة مريبة أو كلمة غريبة أقول أين أنت ياأبى لتحمينى وتدافع عنى واتحامى فى ظلك
أواه ياأبى انتظرنى حتى ألقاك فلا زالت هناك حكاوى نتسامرها معا
حقا كل فتاة بأبيها معجبة...
وليت كل أب يعامل ابنته كأخت له وصديقة وحبيبة قبل ان تكون له ابنة....ياليت
هويدا