تابعونى على الفيسبوك

هويدا محمد الحسن عثمانm.facebook.com

السبت، 20 مارس 2021

يقول سليمان – عليه السلام - في التوراة: امرأة فاضلة من يدلني عليها.. إنها أثمن من كل ما في الأرض من ماس و لآلئ.. فتشت في الألف امرأة فلم أجدها. فمن هي تلك المرأة الفاضلة التي فتش عنها سليمان الحكيم في نسائه الألف فلم يجدها..؟! سمعنا عن نساء فاضلات حكى عنهن التاريخ و جرت حياتهن مجرى السير. مريم العذراء. و خديجة زوج الرسول – صلى الله عليه و سلم -. و آسيا امرأة فرعون. تلك كانت أسماء و سير و حكايات غبرت و مضت. فماذا يتصور الذهن اليوم حينما يحاول توصيف المرأة الفاضلة في زماننا؟ في القاموس الدارج أنها امرأة تحب حتى الموت.. هكذا تقول الأغاني.. و هكذا تقول أجهزة الإعلام. و أنا أسأل.. موت من.. ؟! المشاهَد أن كل النساء يحببن حتى الموت.. حتى موتنا نحن. و عطاء الحب من المرأة طبيعة و فطرة و ليس فضيلة. و هو أيضا ليس فضيلة، لأنه عطاء يتلقى مقابلا من النشوة، و اللذة الفورية فهو عطاء مجز و تكاليفه ممتعة. و مريم العذراء سيدة نساء العالمين لم تعط من هذا النوع من الحب.. و هي لم تحب رجلا. و خديجة كان عطاؤها الذي ميزها هو عطاء من نوع آخر.. فقد أعطت النبي الأمن و الأمان، و كانت له أما و زوجة و ملجأ، و مأوى من عداوة الكفار، و مكرهم و تآمرهم.. ثم أعطت نفسها و حياتها و مالها لرسالته و أهدافه، و اتخذت محبوبه عين محبوبها، و طريقه عين طريقها، فأحبته لله و أحبت الله فيه، و اتخذت دستوره حياة، و اختارت هجرته إلى الله هجرة محببة لها، و كانت حياة الإثنين معا أنسا كاملا و ائتناسا و ملاء كاملا لا خواء فيه و لا ملال.. و لهذا لم يفكر الرسول أن يتزوج عليها أو يجمع عليها بأخرى.. بالغة ما بلغت من الجمال.. و هي التي كانت تكبره بعشرين عاما.. و لم يعدد بين زوجاته إلا بعد وفاتها. إن القضية إذن ليست قضية حب. فهناك من تحب و لا ترحم.. و هذا حال الكثرة. و هناك من ترحم و لا تحب.. و تلك عطاؤها شفقة و صدقة، و ذلك عطاء لا حب فيه، و ندر بين النساء من جمعت في قلبها جمعية (( الحب و الرحمة )).. تلك التي عواطفها سكن، و حنانها قيم، و حبها ظل ظليل، و ليس نارا محرقة. و لعل هذه المرأة هي التي أرادها سليمان في التوراة. و مثال مريم في الزهد و التجرد الكامل غير وارد الآن.. و هي في التاريخ استثناء.. ربما لن يتكرر. و ليس هناك من يطالب المرأة بأن تكون مريم. و لم يكن سليمان يفتش عن مريم في زوجاته الألف، و لعل مثال خديجة كان أقرب إلى تصوره، و هو أيضا أقرب إلى تصورنا نحن و إمكاناتنا. فحسب الرجل امرأة، تستطيع أن تتخلص مما في صدرها من غلّ، و تغلب في نفسها صفات التسامح، و اللين و المودة و الوداعة، على الانتقام و الغضب و الغيظ.. امرأة تكون له أماً و لرسالته عوناً و سندا. فتلك هي الشخصية النورانية. و سماتها هي تلك (( الجمعية النادرة بين الحب و الرحمة )). و هي جمعية لا تجتمع إلا في الأشخاص النورانيين.. الأشخاص الذين استطاعوا أن يرتفعوا على جبلتهم الطينية، و يتجاوزوا ضروراتهم البشرية.. فنزعوا ما في صدورهم من غلّ.. و أصبح الحاكم عندهم هو الجانب الرباني من نفوسهم. و هؤلاء قلة نادرة.. يحتسبون في التاريخ بالأسماء.. رجالا و نساء. و إذا كانوا في الرجال قلة فهم في النساء أقل، لأن الله جعل الجبلة البشرية في النساء أقوى منها في الرجال، و جعل من النساء لحم العلاقة الزوجية و دمها و هيكلها، و جعلهن بذلك أكثر واقعية و أكثر ارتباطاً بالأرض، و أكثر خضوعاً لضرورات البشرية و أحكامها، و أقل قدرة على التجرد و التحليق، و الاستعلاء على الجبلة الطينية؛ و لذلك أعد المرأة للبيت و الأمومة، و أعد الرجل للفلسفة.. و عهد بالطفل إلى المرأة.. و عهد بالنبوة و تغيير العصر إلى الرجل.. و بذلك جعل المرأة هي الأساس، و هي العنصر المحافظ.. و الرجل هو أداة الانتقال و عنصر الثورة. و لذلك فتش سليمان الحكيم في الألف زوجة فلم يجد امرأة فاضلة واحدة. و انسحب فشل سليمان على البشرية. فلا عجب إن كنا أكثر فشلاً من سليمان.. و لنا عذرنا و لهن عذرهن. و لا عجب فنحن في عصور أكثر ظلمة، و أكثر مادية من عصر سليمان.. عصور أصبح فيها الحديد و الصلب و البترول و الذرة حكاماً على مصير الأرض. فاسألوا الله الرحمة.. و لا تسألوا غيره فتهلكوا. و حاولوا أن تكونوا فضلاء أولاً، قبل أن تفتشوا عن المرأة الفاضلة.. فالثمار لا يمكن أن تظهر إلا إذا ظهرت الزهور أولاً. و لتجد امرأة كخديجة، لابد أن تكون رجلاً كمحمد . و تربية الفضيلة في النفس أمر مختلف عن تسمين الدجاج أو تربية الأسماك.. فليس للفضيلة وصفة علمية تنمو بها و لا بذور تُشترى من السوق.. إنما الفضيلة نور.. و لا يمكن أن تتنور النفوس إلا بالاتجاه إلى مصدر الإشراق.. إلى الله صاحب الفضل في كل فضيلة. و لذلك كان أولو الفضل و الفضيلة الحقة هم الساجدين و الساجدات.. و إذا رأيت فضيلة في امرأة غير مؤمنة، فتلك فطانة و ذكاء لا فضيلة، و تلك أخلاق التعامل التي تراها في البقالات الناجحة و شركات الائتمان.. و ذلك أمر مختلف. إنما الفضيلة نور و عطاء من ذات النفس، بلا حساب و بدون نظر إلى مقابل، و هي صفة ثابتة تلازم صاحبها في جميع مواقفه.. و لا تتلون بالمصالح.. فكما أن الله بكرمه يرزق المؤمن و الكافر.. كذلك الذين أخذوا كرمهم من عند الله تراهم يمدون يد المعونة إلى أصدقائهم و أعدائهم، و هذا شأن النور يدخل القصور و الجحور دون تحيّز. و صدق سليمان الحكيم.. فإن من يرزقه الله امرأة فاضلة.. فقد رزقه جميع لآلئ و ماسات الأرض.. و أكثر. و قليل في الأرض أمثال هذا الرجل. كتاب : عصر القرود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق